الفتح الإسلامي
ولمّا اختط عقبة المدينة سنة 50هـ/ 670م أقام
بوسطها المسجد الجامع حيث أن الدين يمثل محور حياة كل مسلم ، ثم أسس دار الإمارة
بجانبه واختط الجادّة الكبرى التي أصبحت يطلق عليها فيما بعد اسم السماط الأعظم ،
قبل أن يتولى توزيع الخطط في معسكره ، فعمّرت القيروان وشدّ النّاس إليها المطايا من
كل أفق. وقد تراجع هذا المد بعد عزل عقبة بن نافع عن ولاية إفريقية سنة 55هـ/675م
وتولية أبي المهاجر دينار الذي سعى لوأد المولود الجديد وتحوّل عن قيروان عقبة
واختط مدينة على بعد ميلين منها مما يلي طريق تونس وصالح البربر وأولاهم الخطط.
إلا أنّ روح القيروان لم تخمد وكتب لها أن تبعث من أنقاضها، إذ عيّن الخليفة
الأموي يزيد بن معاوية سنة 62 هـ/ 683 م عقبة بن نافع واليا من جديد على إفريقية وأمره أن يدركها قبل أن تفسد.
فانطلق مثقلا بتجربته المريرة وهو أشد إيمانا بوجوب الإسراع بنشر راية الإسلام
بكامل المغرب وإذلال المناوئين له من البربر وكسر شوكتهم . فاندفع حتى وصل بلاد
السوس والبحر المحيط في أقلّ من سنة، إلاّ أنّه لم يضمن مؤخرته وألب عليه القبائل
البربريّة التي بقيت تكيد له وأوقعته في كمين وهو في طريق العودة فاستشهد بتهودة
قرب بسكرة بالجزائر سنة 63 هـ/ 684م. وقد انقضّ بعد ذلك القائد البربري كسيلة
البرنسي على مدينة القيروان وأقام بها الى حين استرجاعها من طرف زهير بن قيس
البلوي سنة 69هـ/ 690م. وبقي البربر على عدائهم لهذا الجسم المنبثّ داخل وطنهم
ورفعوا راية المقاومة على يدي الكاهنة ولم يستتب الأمن ردحا من الزّمن إلا بورود
الفاتح حسان بن نعمان إفريقية سنة 79هـ/698م ، فهزم الكاهنة وسكّن البلاد وقضي على
قرطاج رمز المقاومة البيزنطيّة فاستعلت بذلك القيروان وأصبحت قصبة إفريقية. ونظّم
حسّان الإدارة ورتّب الدّواوين وصالح الأهالي على الخراج وجدّد جامع عقبة ومهّد
الأمر لموسى بن نصير 88 هـ/707م ليتّخذ القيروان قاعدة لفتح المغرب. ودخل البربر
في دين الله أفواجا حتى أصبحوا من رسل الفتح ودعاة الإسلام وأسهموا تحت قيادة بطل
من أبطالهم وهو طارق بن زياد في فتح الأندلس سنة 92هـ/ 710م. وللقيروان يعود الفضل
في نشر الإسلام في كامل ديار المغرب وإليها يعود السبق في تنظيمه وإرسائه على
قواعد صلبة . ففي سنة 100هـ/ 798م أرسل إليها الخليفة عمر بن عبد العزيز بعثة
تتكوّن من عشرة فقهاء من أجل التّابعين وجعل الإمارة في أتقاهم وهو إسماعيل ابن
أبي المهاجر فكان خير أمير وخير وال حرس على دعاء البربر للإسلام وتفقيههم
وتعليمهم الحلال والحرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق