الجمعة، 14 سبتمبر 2012

اختيار موقع القيروان


اختيار موقع القيروان

لمّا أرسى عقبة المستجاب قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقها وعلما ويجعلها عزا للإسلام، أي مصير تخبّئه لها الأيّام، إلا أنّه استراتيجيّا كان موفّقا في اختياره. فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذي كان البيزنطيّون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك على الجبال حيث مازالت تعتصم القبائل البربريّة المناوئة للإسلام، وتمثّل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خطّ المواجهة المتّخذ بين المسلمين والبيزنطيين بعد انهزام ملكهم  جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة  45هـ/665م وتراجع سلطانهم وانحصاره في شمال البلاد.
وتوجد القيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في جل معاركهم وحروبهم المصيريّة. وقد راعي عقبة في اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفر ما تحتاجه الابل من المراعي.
وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معربة عن اللّغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش وقد تكلّمت بها العرب قديما حيث جاء في شعر امرؤ القيس:
وغارة ذات قيروان   :   كأن أسرابها الرعال
ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع ، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال احدى حملاته الثلاث على إفريقية بالموضع المعروف بالقرن على بعد 10 كيلومترات شمال غربي القيروان. كما تذكر كتب الطّبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى سنة 34هـ/ 654م وهو محاصر لجلولة فأخذ ودفن بموضع القيروان وفي قلنسوتّه ثلاث شعرات من شعر النّبي، فكانت أول وشائج القربى بين المسلمين الفاتحين وأرض القيروان الطيّبة روحيّة ودينيّة وتدعّمت أواصرها بما حفّ ببنائها من أساطير تروي كيف انطلق عقبة يتتبّع صوتا هاتفا أبان له موقع القبلة وكيف قام يدعو الوحوش والسّباع التي استجابت إليه صاغرة لإخلاء الموضع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق