السبت، 15 سبتمبر 2012

عقبة بن نافع


عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الطرب بن أمية بن الحارث بن فهر القرشي [1](1 ق.هـ - 63 هـ( من القادة العرب والفاتحين لبلاد الله في صدر الإسلام. واشتهر تاريخيا باسم "مرنك إفريقية"، وهو الاسم العربي لشمال قارة أفريقيا.


نشأته
ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بعام واحد. وأمه من قبيلة المعز من بني ربيعة من العدنانيين. ولذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يمت بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة. وقد نشأ عقبة تحت شمس الصحراء المحرقه وفي جوها اللافح في البيئة التي ينشأ فيها الرجال الاقوياء.
لقد أيّد الله عز وجل دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان في قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية في الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس، إنهم رجال آثروا مرضات الله عز وجل بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون وهجروا الفراش والسلامة وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذا أن تنتهي حياتهم في أخر بقاع الدنيا، فهذا يموت في بلاد الصين وهذا في أدغال أفريقيا وذاك في أحراش الهند، وكلهم راض بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد : الشهادة في سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال 

نبوغه
برز اسم عقبة مبكراً في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث اشترك هو وأباه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، والذي توسم فيه خيرا وشأنا في حركة الفتح، فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، فأسند إليه مهمة قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر. ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا (تونس حاليا)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر.
تعاقب عدة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص، منهم عبد الله بن أبي السرح ومحمد بن أبي بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، أقر جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة. لكن عمرو بن العاص اختر عقبه في الحروب ليس للقرابه لانه يعرف مهارته علي المبارزه والقتال.

فتوحاته
ظل عقبة في منصبه كقائد للحامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصب اهتمامه على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم، فلما استقرت الأمور عام 41 هـ وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج والياً على مصر، أرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة.
مسجد في مدينة القيروان
كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وأفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأعادها بلقوة إلى الطاعة. خلف معاوية عقبة أفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة . حتى أتى وادياً فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسماها القيروان أي محط الجند، ذلك أنها تعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المتقدمة والواغلة في المغرب الكبير. كما بنى بها جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هـ عزله معاوية وولى بدلا منه أبو المهاجر بن دينار أفريقية، فعاد للمشرق.
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62 هـ، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف وغزا حصوناً ومدناً حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي.

 وفاته
قتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين للهجره[3] بعد أن غزا السوس القصوى، قتله كسيلة بن لمزم الأودي وقتل معه أبا المهاجر دينار وكان كسيلة نصرانياً. ثم قتل كسيلة في ذلك العام أو في العام الذي يليه قتله زهير بن قيس البلوي، ويقولون: إن عقبة بن نافع كان مستجاب الدعوة.[4]
في مكان يعرف حتى الآن باسم سيدي عقبة. بالجزائر في معركة مع الملكة الأمازيغية تيهيا المعروفة عند العرب بالكاهنة.
ومن أحفاد عقبة المشهورين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة وعبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري.


الجمعة، 14 سبتمبر 2012

الثّورات الخارجية وتحصين القيروان


الثّورات الخارجية وتحصين القيروان

إن انضواء إفريقية تحت راية الاسلام لم يحل دون قيام مذاهب مختلفة وانقسام أهلها بين سنّة كانت القيروان تمثّل بأشرافها والعرب من فرسانها رمزا لها ، وخوارج ممّن وجد لدي البربر استحسانا لمذهبهم الذي يدعو للمساواة والعدل بين الأجناس وصرف الامامة للأفضل والأتقي. وقد وافق ذلك تعسّف من الولاة وسوء سيرة واسترقاق للبربر الذين أعلنوا العصيان ونازلوا القيروان، فضاقت المدينة ذرعا بهجماتهم وان صمدت أمام جحافل جنود عكاشة الخارجي سنة 124هـ/742م. بموقعة القرن فان قبائل ورفجومة من الصفريّة قد استطاعوا دخولها عنوة سنة 141هـ/760م وأعملوا السيف في رقاب القرشيين من أشراف العرب وساداتهم واستباحوا دماء وحرمة نسائها وأطفالها . وكان لابد من إنقاذها، فبادر الخليفة المنصور بإرسال محمد ابن أشعث الخزاعي وهو أول قائد دخل القيروان للعباسين وأمره بتحصينها ليقيها تجدّد الكوارث، فطوّقها سنة 144هـ/762م. بسور من طوب سعته عشرة أذرع هو يشتمل على ستة أبواب:
وهي باب أبي الرّبيع جنوبا وباب عبد الله ونافع شرقا وباب أصرم وسلم غربا وباب تونس شمالا. وكانت توجد بالقيروان آنذاك سبعة محارس لحمايتها. ثم ان الخليفة المنصور كتب للأغلب بن سالم التميمي واليه على افريقيّة يأمره بالعدل في الرعيّة وتحصين مدينة القيروان وخندقها وترتيب حرسها. وان لم تمنع هذه التدابير القيروان من الكوارث اذ هاجمها سنة 154 هـ/772م جموع البربر بقيادة أبي حاتم الاباضي فحاصروا المدينة حتى أكل أهلها دوابهم وأخرجوا منها ، فانها قد ساعدت بدون شك عل توفير الأمن لها  ووطّدت بالتالي لتمصيرها وتبحّر عمرانها، وقد أمنت واستطاب العيش فيها. فتعدّدت وكثرت الأسواق كسوق إسماعيل التي أحدثها سنة 71 هـ إسماعيل بن عبيد الأنصاري، والقيساريّة وسويقة المغيرة نسبة لآل عبدا لله بن المغيرة الكوفي من كبار المحدثين الوافدين على القيروان، وسوق بني هاشم المنسوبة الى صالح بن حاجب بن هاشم وسوق دار الامارة لقربها منها. واحتفرت الآبار سقاية لأهلها وكان من أهمّها بئر أم عياض ومواجل الجامع التي أمر ببنائها الخليفة هشام بن عبد الملك سنة (101-124هـ/ 723-746 م) .وأصبحت القيروان مركزا لتجارة الرّقيق وتصدير الجواري البربريّات نحو المشرق . وقامت بها صناعة النّسيج حيث حفظ لنا متحف بروكلين قطعة من طراز افريقية صنعت للخليفة الأموي مروان الثاني .

وخلال ولاية آل المهلّب نعمت القيروان ردحا من الزّمن بالأمن ، فتولى يزيد بن حاتم ( 155-170 هـ) تحسينها وتوسيع جامع عقبة بن نافع وفي ذلك معيار على اتّساع المدينة وتوافد الناس لتعميرها، واهتمّ بتطوير الفلاحة وإقامة المنتزهات ومنها منية الخيل التي يذكر الرّقيق في شأنها أنّه حفر بها بئرا عذبة وجعل خيله هنالك في إسطبلات. وتوافد نحوه الشّعراء والنحّاة والأدباء والأطباء من كامل أصقاع العالم الإسلامي ممّا زاد في إشعاع القيروان وشحذ القرائح وخلق حركيّة فكريّة متوقّدة .
فمنذ النصف الثاني من القرن الثاني هجري/ الثامن ميلادي أخذت القيروان تعد نفسها لتصبح مقرا عربيّا هاما وافر العمران. غير أنه ينبغي إلا تتصوّر القيروان عاصمة باذخة ذات أبّهة وجلال  بل أن ذلك كان على غاية من البساطة ويعود الى بني الأغلب (184-296هـ/800-909م) شرف تأهيلها لتصبح إحدى أمّهات العواصم الإسلامية وتبلغ أوج حضارتها وسؤددها.

الفتح الإسلامي لمدينة القيروان


الفتح الإسلامي


ولمّا اختط عقبة المدينة سنة 50هـ/ 670م أقام بوسطها المسجد الجامع حيث أن الدين يمثل محور حياة كل مسلم ، ثم أسس دار الإمارة بجانبه واختط الجادّة الكبرى التي أصبحت يطلق عليها فيما بعد اسم السماط الأعظم ، قبل أن يتولى توزيع الخطط في معسكره ، فعمّرت القيروان وشدّ النّاس إليها المطايا من كل أفق. وقد تراجع هذا المد بعد عزل عقبة بن نافع عن ولاية إفريقية سنة 55هـ/675م وتولية أبي المهاجر دينار الذي سعى لوأد المولود الجديد وتحوّل عن قيروان عقبة واختط مدينة على بعد ميلين منها مما يلي طريق تونس وصالح البربر وأولاهم الخطط. إلا أنّ روح القيروان لم تخمد وكتب لها أن تبعث من أنقاضها، إذ عيّن الخليفة الأموي يزيد بن معاوية سنة 62 هـ/ 683 م عقبة بن نافع واليا من جديد  على إفريقية وأمره أن يدركها قبل أن تفسد. فانطلق مثقلا بتجربته المريرة وهو أشد إيمانا بوجوب الإسراع بنشر راية الإسلام بكامل المغرب وإذلال المناوئين له من البربر وكسر شوكتهم . فاندفع حتى وصل بلاد السوس والبحر المحيط في أقلّ من سنة، إلاّ أنّه لم يضمن مؤخرته وألب عليه القبائل البربريّة التي بقيت تكيد له وأوقعته في كمين وهو في طريق العودة فاستشهد بتهودة قرب بسكرة بالجزائر سنة 63 هـ/ 684م. وقد انقضّ بعد ذلك القائد البربري كسيلة البرنسي على مدينة القيروان وأقام بها الى حين استرجاعها من طرف زهير بن قيس البلوي سنة 69هـ/ 690م. وبقي البربر على عدائهم لهذا الجسم المنبثّ داخل وطنهم ورفعوا راية المقاومة على يدي الكاهنة ولم يستتب الأمن ردحا من الزّمن إلا بورود الفاتح حسان بن نعمان إفريقية سنة 79هـ/698م ، فهزم الكاهنة وسكّن البلاد وقضي على قرطاج رمز المقاومة البيزنطيّة فاستعلت بذلك القيروان وأصبحت قصبة إفريقية. ونظّم حسّان الإدارة ورتّب الدّواوين وصالح الأهالي على الخراج وجدّد جامع عقبة ومهّد الأمر لموسى بن نصير 88 هـ/707م ليتّخذ القيروان قاعدة لفتح المغرب. ودخل البربر في دين الله أفواجا حتى أصبحوا من رسل الفتح ودعاة الإسلام وأسهموا تحت قيادة بطل من أبطالهم وهو طارق بن زياد في فتح الأندلس سنة 92هـ/ 710م. وللقيروان يعود الفضل في نشر الإسلام في كامل ديار المغرب وإليها يعود السبق في تنظيمه وإرسائه على قواعد صلبة . ففي سنة 100هـ/ 798م أرسل إليها الخليفة عمر بن عبد العزيز بعثة تتكوّن من عشرة فقهاء من أجل التّابعين وجعل الإمارة في أتقاهم وهو إسماعيل ابن أبي المهاجر فكان خير أمير وخير  وال حرس على دعاء البربر للإسلام وتفقيههم وتعليمهم الحلال والحرام

اختيار موقع القيروان


اختيار موقع القيروان

لمّا أرسى عقبة المستجاب قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقها وعلما ويجعلها عزا للإسلام، أي مصير تخبّئه لها الأيّام، إلا أنّه استراتيجيّا كان موفّقا في اختياره. فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذي كان البيزنطيّون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك على الجبال حيث مازالت تعتصم القبائل البربريّة المناوئة للإسلام، وتمثّل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خطّ المواجهة المتّخذ بين المسلمين والبيزنطيين بعد انهزام ملكهم  جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة  45هـ/665م وتراجع سلطانهم وانحصاره في شمال البلاد.
وتوجد القيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في جل معاركهم وحروبهم المصيريّة. وقد راعي عقبة في اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفر ما تحتاجه الابل من المراعي.
وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معربة عن اللّغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش وقد تكلّمت بها العرب قديما حيث جاء في شعر امرؤ القيس:
وغارة ذات قيروان   :   كأن أسرابها الرعال
ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع ، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال احدى حملاته الثلاث على إفريقية بالموضع المعروف بالقرن على بعد 10 كيلومترات شمال غربي القيروان. كما تذكر كتب الطّبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى سنة 34هـ/ 654م وهو محاصر لجلولة فأخذ ودفن بموضع القيروان وفي قلنسوتّه ثلاث شعرات من شعر النّبي، فكانت أول وشائج القربى بين المسلمين الفاتحين وأرض القيروان الطيّبة روحيّة ودينيّة وتدعّمت أواصرها بما حفّ ببنائها من أساطير تروي كيف انطلق عقبة يتتبّع صوتا هاتفا أبان له موقع القبلة وكيف قام يدعو الوحوش والسّباع التي استجابت إليه صاغرة لإخلاء الموضع.